هل فات الأوان للإقلاع عن التدخين وإصلاح الضرر؟

3٬917

يعد سرطان الرئة السبب الأكثر شيوعًا لحدوث الوفاة بين مرضى السرطان بوجه عام، وهو يمثل ما قدره 21٪ من نسبة الوفيات الناجمة عن السرطان. ويعد التدخين أحد الأسباب الرئيسة وراء الاصابة بسرطان الرئة. إذ يُلحق تدخين التبغ بالغ الضرر بالحمض النووي للخلايا ويزيد بشكل كبير من خطر الاصابة بسرطان الرئة. ففي الولايات المتحدة وحدها يجري الحديث عن نحو 229000 حالة من سرطان الرئة سيتم تشخيصها في عام 2020.

يرى كثير من المدخنين أن الإقلاع عن التدخين بعد فترة طويلة أمر غير مجد وأن الضرر قد حصل ولا مجال لإصلاحه، ويبررون لأنفسهم الاستمرار في التدخين. غير أن دراسة حديثة أثبت عكس ذلك. إذ تمخضت نتائجها عن حقيقة مفادها أن الإقلاع عن التدخين اليوم لا يحد من زيادة خطر تطور سرطان الرئة مستقبلاً فحسب، بل قد يتراجع الخطر بفضل قدرة الجهاز التنفسي على ترميم نفسه.

ضرر على المستوى الجيني

يؤدي تلف الحمض النووي في الخلايا التي تبطن الرئتين إلى حدوث أخطاء جينية، وبعضها عبارة عن طفرات، وهي تغييرات تمنح الخلية ميزة نمو غير مضبوط. في النهاية، يمكن لتراكم الطفرات أن تجعل الخلايا تنقسم بشكل لا يمكن السيطرة عليه وتصبح سرطانية

خلايا ناجية

اكتشف علماء من معهد ويلكوم سانجر وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أنه مقارنة بالمدخنين الحاليين، فإن الأشخاص الذين توقفوا عن التدخين لديهم خلايا رئة أكثر صحة على المستوى الجيني، ولديهم أيضاً خطر أقل بكثير في التطور إلى سرطان. وخلصت الدراسة إلى أن الخلايا الوقائية في رئة المدخنين السابقين يمكن أن تفسر سبب أن الإقلاع عن التدخين يقلل من خطر الاصابة بسرطان الرئة.

التدخين سبب ألف علة

خلايا حماية

أظهرت الدراسة أن الإقلاع عن التدخين يمكن أن يفعل أكثر من مجرد إيقاف المزيد من الأضرار التي لحقت الرئتين. يعتقد الباحثون أنه يمكن أن يسمح أيضًا للخلايا السليمة بتجديد بطانة الطرق التنفسية. هذا التحول في نسبة الخلايا التالفة إلى السليمة يمكن أن يساعد في الحماية من السرطان.

دراسة نموذجية

في دراسة شاملة للآثار الوراثية للتدخين على خلايا الرئة الطبيعية غير السرطانية، قام الباحثون بتحليل خزعات الرئة من عدد كبير من الأشخاص من بينهم مدخنون ومدخنون سابقون وأشخاص لم يدخنوا مطلقًا وأطفال. وأجروا دراسة لتسلسل الحمض النووي لما قدره 632 خلية فردية من هذه الخزعات ونظروا في نمط التغيرات الجينية في خلايا الرئة غير السرطانية هذه. ووجد الباحثون أنه على الرغم من كونها غير سرطانية، فإن أكثر من 9 خلايا من كل 10 خلايا رئة لدى المدخنين الحاليين لديها ما يصل إلى 10000 تغيير وراثي إضافي أو طفرات، مقارنةً بغير المدخنين. لدى أكثر من ربع هذه الخلايا التالفة طفرة واحدة على الأقل تسبب السرطان، وهذا ما يفسر سبب ارتفاع خطر الاصابة بسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين يدخنون.

بشكل غير متوقع، في الأشخاص الذين توقفوا عن التدخين، كانت هناك مجموعة كبيرة من الخلايا التي تبطن الشعب الهوائية التي نجت من الضرر الجيني الناجم عن التدخين في الماضي. من الناحية الوراثية، كانت هذه الخلايا على قدم المساواة مع تلك الموجودة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، وكان لديهم خطر منخفض في التطور إلى سرطان.

وجد الباحثون أن المدخنين السابقين لديهم أربعة أضعاف هذه الخلايا السليمة أكثر من الأشخاص الذين ما زالوا يدخنون، ما يصل إلى 40 ٪ من إجمالي خلايا الرئة لدى المدخنين السابقين.

 

خلايا الرئة بارعة في إصلاح الضرر

لا تقل فات الأوان

وقال كبير المؤلفين الدكتور بيتر كامبل، من معهد ويلكوم سانجر: “الأشخاص الذين يدخنون بشدة لمدة 30 أو 40 سنة أو أكثر، يقولون لي إن الوقت قد فات للإقلاع عن التدخين، لقد حدث الضرر بالفعل. ما هو مثير حول دراستنا يكمن في حقيقة أنه لم يفت الأوان بعد للإقلاع عن التدخين”.

سرطان الرئة أحد الأضرار الكثيرة التي يتسبب بها التدخين

وبينما أظهرت الدراسة أن خلايا الرئة السليمة هذه يمكن أن تبدأ في إصلاح بطانة الشعب الهوائية لدى المدخنين السابقين وتساعد على حمايتهم من سرطان الرئة. إلا أن التدخين يسبب أيضًا أضرارًا أخرى في الرئة يمكن أن تؤدي إلى انتفاخ الرئة ومرض الرئة المزمن. هذا الضرر لا يمكن عكسه، حتى بعد التوقف عن التدخين.

أقلع عن التدخين اليوم وإمنح رئتيك الفرصة لإصلاح الاضرار

أفق جديد للوقاية والعلاج

وقال البروفيسور سام جينيس، مؤلف مشارك من جامعة لندن الجامعية: “دراستنا تحتوي على رسالة مهمة تتعلق بالصحة العامة وتبين أن الأمر يستحق حقًا الإقلاع عن التدخين لتقليل خطر الاصابة بسرطان الرئة. ليس فقط إبطاء تراكم المزيد من الأضرار، ولكن يمكن أن يوقظ الخلايا التي لم تتأثر بخيارات نمط الحياة السابقة. فالمزيد من البحث في هذه العملية يمكن أن يساعد في فهم كيفية حماية هذه الخلايا من السرطان، ويمكن أن يؤدي إلى طرق جديدة للبحث في العلاجات المضادة. “

بادر اليوم إلى الإقلاع عن التدخين

وقالت الدكتورة راشيل أوريت ، مديرة المعلومات الصحية في مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة: “إنها فكرة محفّزة حقًا، أن يحصد الأشخاص الذين يتوقفون عن التدخين الفوائد مرتين، عن طريق منع المزيد من الأضرار المرتبطة بخلايا الرئة وإتاحة الفرصة لرئتيهم لتحقيق التوازن وتحفيز الخلايا الصحيحة على العمل والترميم، ما نحتاج إليه الآن هو إجراء دراسات أكبر تتناول تغيرات الخلايا في نفس الأشخاص مع مرور الوقت لتأكيد هذه النتائج”.

إقرأ المزيد:
المصدر نيتشر.كوم

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط