هل ستهيمن السيارات الكهربائية على المشهد العام في المستقبل؟

4٬892

يكاد يُجمع خبراء السيارات حول العالم على حقيقة مفادها أن السيارات الكهربائية ستهيمن بلا ريب على المشهد العام في المستقبل القريب، إلا أن ذلك، في الحقيقة، مرهون بعاملين اثنين، ألا وهما البطاريات والبرمجيات. أما البطارية، فلا يمكن اعتبارها بمثابة ميزة تنافسية حقيقية، ولا سيما في مرحلة إنتاج وبيع السيارة، ذلك لأنها يمكن وببساطة أن تتحول إلى مجرد سلعة. في حين تعد البرمجيات من أهم وأبرز وجهات الاستثمار الرئيسة التي تتوجه إليها شركات التكنولوجيا والسيارات في وقتنا الراهن. ففي حالة”غوغل” و”أبل” و”أمازون” و”أوبر”، على سبيل الذكر وليس الحصر، نجد أن كلاً من هؤلاء يتنافس بأسلوبه الخاص، علّه ينجح في تحقيق ضالته المنشودة والمتمثلة في تطوير أفضل التقنيات المعمول بها في هذا الإطار.

هل ستهيمن السيارات الكهربائية على المشهد
كيف نشأت فكرة السيارات الكهربائية؟

ظهرت فكرة السيارات الكهربائية منذ أمد ليس بالبعيد. وعلى الرغم من أن وجودها على الطريق كان أمراً بعيد المنال بعض الشيء، لا وبل غير قابل للتحقيق، إلا أن العديد من الشركات المصنعة للسيارات في العالم على غرار تويوتا، هوندا، بي إم دبليو وجنرال موتورز وغيرها، نجح في إنتاج سيارات هجينة ذاتية القيادة، إلى أن برزت إلى السطح وعلى نحو مفاجئ  شركة “تسلا” لتغير كل قواعد اللعبة المعمول بها في هذا الإطار وخلال وقت قياسي نسبياً.

قراءة في تاريخ شركة تسلا

قراءة في تاريخ شركة تسلا

تسلا موتورز هي شّركة أمريكيّة متخصصة في صناعة السيارات الكهربائية وإنتاج بطاريات الليثيوم والألواح الشمسية، ووفقاً لمعلومات من مصادر موثوقة عدة، فقد تأسّست شركة تسلا في العام 2003 من قبل رجُليِّ الأعمال الأميركيين مارتن إبرهارد ومارك تاربنينج اللذين أطلقا عليها هذا الاسم تيمُّنًا باسم المخترع الأمريكيّ الصّربيّ نيكولا تسلا. فيما حصلت شركة تسلا على تمويلها من مصادر متعدّدة، لعل أبرزها يتمثل في مؤسّس شركة باي بال، الذي ساهم بما يربو على 30 مليون دولار في المشروع الجديد، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة الشّركة بدءًا من العام 2004. وشهد العام 2008 إطلاق تسلا موتورز لأوّل سيّارة كهربائيّة بالكامل من طراز رودستر. وفي اختبارات الشّركة، تمكنت السيارة عينها من قطع مسافة مقدارها 245 ميلًا (ما يعادل 394  كيلومتراً) بشحنة واحدة، وهو أمر غير مسبوق لسيّارة كهربائيّة. وفي أواخر العام 2007، استقال إبرهارد من منصب الرّئيس التّنفيذيّ ورئيس قسم التّكنولوجيا، وانضم إلى المجلس الاستشاريّ للشّركة، ومن ثم أعلن لاحقاً، وتحديداً في العام 2008، عن مغادرته الشركة، إلا أنه ذكر حينها بأنه لا يزال عضواً مساهمًا فيها. وشهد العام 2008، أيضاً، رحيل تاربينينج، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس الهندسة الكهربائيّة فيها. وهو الذي أشرف، أيضاً، على تطوير الأنظمة الإلكترونيّة والبرمجيّات الخاصة بشركة رودستر، ليتولّى إثر ذلك إيلون ماسك منصِب الرّئيس التّنفيذيّ. وفي العام 2010 جمعَت شركة تسلا الطرح العام الأولي بِنَحو 226 مليون دولار.

هل ستهيمن السيارات الكهربائية على الأسواق العالمية

خيار صائب في وقت مثالي

 وإذ تم تصميم السيارة في المقام الأول لتكون أكثر أماناً على الطريق من خلال أداء لا مثيل له، فقد بات بمقدور سيارة “تسلا إس” أن تصل من حالة السكون إلى سرعة 60 ميلاً في الساعة في غضون 2.5 ثانية فقط. ولعل أهمية السيارة الكهربائية تكمن في حقيقة أنها ليست أكثر أماناً فحسب، بل قد تذهب إلى أبعد من ذلك في هذا المسعى؛ إذ تُعرف بأنها تكاد تكون خالية تماماً من المشقة والإجهاد معاً، في الوقت عينه.

هل ستهيمن السيارات الكهربائية على المشهد العام في المستقبل القريب

احتدام المنافسة

وهكذا شهدت سيارات “تسلا” الكهربائية الرائعة إقبالاً كبيراً من قبل عشاق عالم السيارات حول العالم على اختلاف أهوائهم وأذواقهم، الأمر الذي حدا بالشركة إلى الارتقاء بأعمالها وخططها الإنتاجية ليصبح حجمها أكبر وأعمالها أكثر، غير أنها لم تعد اللاعب الوحيد في السوق. إذ بدأت المنافسة تحتدم وبقوة، حيث انبرى كل من “أودي” و”بورشه” إلى عرض مفهومه الخاص عن السيارة الكهربائية المستقبلية، وذلك على هامش معرض فرانكفورت الأخير للسيارات. كما بادرت شركة “فورد” الأمريكية الشهيرة بإطلاق نموذجها الخاص في هذا الإطار والمتمثل بسيارة “فوكس”. كما أظهرت الشركة الألمانية “مرسيدس بنز” اهتماماً جلياً بهذا الأمر، أيضاً. فيما كشفت شركة “بي إم دبليو” الألمانية المعروفة النقاب عن بعض نماذجها ذات الصلة. في حين قامت “جنرال موتورز” الأمريكية ببناء سيارتها الكهربائية “شيفروليه فولت”، وذلك بغية كبح جماح ثورة “تسلا” في عالم السيارات الكهربائية، والحد من هيمنتها المطلقة على سوق السيارات الكهربائية.

لكن هل سيؤدي ذلك إلى الحد من هيمنة تسلا على هذه السوق؟

لكن هل سيؤدي ذلك إلى الحد من هيمنة تسلا على هذه السوق؟

طبقاً لما أتى ذكره على لسان الخبراء، فلا يبدو أن ثمة من يمتلك القدرة الكافية على مقارعة تسلا، على الأقل في الوقت الراهن، ذلك لأن “تسلا” لا تدخر جهداً لإعلاء شأن السيارات الكهربائية، من جهة، وإثبات قدرتها الفاعلة كبديل حقيقي لتلك التقليدية، من جهة أخرى. كما أن مسألة المنافسة في هذا المجال شديد التعقيد ليست بالأمر السهل، فالأمر لا يقتصر على إنتاج سيارات فاخرة، فحسب، بل إنه ينطوي على مصاعب جمة؛ إذ لا بد من تطويع آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال لصالح تطوير تلك السيارات والارتقاء بسماتها العامة، وذلك لكي تتمكن من مقارعة سيارات “تسلا”. كما لا بد لها أن تحث الخطى نحو محاكاة ذلك المنتج الذي تعمل عليه “تسلا” عبر تقديم قدرات مماثلة، لا ريب أبرزها يتمثل في نظام القيادة الذاتية وأنظمة تأمين سلامة الركاب وتلك الأنظمة الأخرى التي من شأنها أن تحد من خطر الانقلاب المفاجئ، ناهيك عن أنظمة الإشعار والتنبيه التي تعمل فور الاقتراب من جسم متحرك.

سيارة تسلا

إذن، ما هو مستقبل تسلا في هذا الإطار؟

يتوقع خبراء في عالم السيارات أن تحذو “تسلا” حذو شركة “أبل” عندما ظهرت في 2007 وأبهرت الجميع. ولعل تجاوز قيمتها السوقية لتلك الخاصة بشركة “جنرال موتورز”، أكبر صانع سيارات أمريكي، لهو خير دليل على ذلك. إلا أنه ينبغي القول في هذا المقام بأن المستقبل عصي على التنبؤ، ذلك لأن “تسلا” تواجه في الوقت الراهن مشاكل جمة تتعلق بالانتاج؛ إذ ثمة خطب جلل يهيمن على سير عملية الإنتاج في مصانعها. وعلى ما يبدو فإن هذه الأخيرة أيقنت أن مسألة إنتاج السيارات ليست بالأمر السهل،  ولا سيما إذا ما أخذنا في الاعتبار الناحيتين التشغيلية وتلك المالية.

كيف ستتصدى تسلا لمشكلة عدم  توفر محطات كافية للشحن على الطرقات؟

كيف ستتصدى تسلا لمشكلة عدم  توفر محطات كافية للشحن على الطرقات؟

ثمة ما يربو على 3000 شاحن فردي على مستوى العالم، وهناك ما يزيد عن 500 محطة شحن، وتجري الاستعدادات على قدم وساق من قبل دول عدة لبناء المزيد منها  في المستقبل القريب. كما قامت “تسلا” بحل جزء من المعضلة تلك؛ إذ بادرت إلى الارتقاء بمزايا وقدرات بطارية سياراتها، حيث جعلتها تُشحن بنسبة 80% في أقل من ساعة تقريباً. وإذا كانت “تسلا” تسعى إلى المضي قدماً في رفع حجم إنتاجها من السيارات من جهة، وتوسيع قاعدة انتشار سياراتها من جهة أخرى، فهي بلا ريب تحتاج إلى بناء المزيد من محطات الشحن بالغة التطور. ولعل هذا ما تقوم به الشركة فعلياً في الوقت الراهن؛ إذ تعكف هذه الأخيرة على تنفيذ خطة طويلة الأمد تبدأ مرحلتها الأولى في الولايات المتحدة، ومن ثم تمتد لتصل، في مراحلها اللاحقة، إلى كافة أنحاء العالم، وتقضي تلك الخطة بتطوير شبكة شحن بالغة التطور، وذلك بغية رفد مالكي سيارات “تسلا” الكهربائية بمصدر دائم وثابت لشحن سياراتهم دونما قلق أو خوف مرده انتهاء شحن البطارية أثناء السير على الطرقات، ولا سيما السريعة منها.

مشكلة عدم  توفر محطات كافية للشحن على الطرقات

فهل ستنجح تسلا في سعيها هذا لتوسيع رقعة انتشار سياراتها والسيطرة المحكمة على سوق السيارات الكهربائية على مستوى العالم أجمع والتحضير لعصر جديد ذي إيقاع كهربائي؟ لعل الأشهر القادمة كفيلة  بالإجابة عن هذا السؤال المحير.  فلننتظر إذن.

فكما يقال: ” إن غداً لناظره قريب!

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط