الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني الألماني للسياحة: “ألمانيا نجحت في إدارة الأزمة نسبياً مقارنةً بدول أخرى حول العالم”

511

قدّرت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة انخفاض عدد الوافدين من مختلف أنحاء العالم بنسبة تتراوح بين 60 و80% هذا العام بسبب جائحة كوفيد-19. إلا أنه يمكن القول إنّ ألمانيا قد نجحت في إدارة الأزمة نسبياً مقارنةً بدول أخرى حول العالم. بترا هيدورفر، الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني الألماني للسياحة تستعرض الوضع الحالي للسياحة الوافدة ومستقبل السفر إلى ألمانيا.

فرضت أزمة كوفيد-19 العالمية ضغوطاتٍ كبيرة على قطاع السفر منذ بدايتها. ما الذي يحمله المستقبل للسياحة الوافدة إلى ألمانيا برأيك؟

سيستغرق تعافي قطاع السفر بعض الوقت حتى لو تمّ طرح اللقاح بنجاح، حيث تحتاج شركات الطيران والفنادق إلى تطوير قدرتها الاستيعابية تدريجياً، بالإضافة إلى الصعوبات التي ستظهر بكل تأكيد خلال عملية التعافي. وقد شهدنا انخفاضاً واضحاً في حالات الإصابة بالمرض هذا الصيف، قابله ارتفاعٌ كبيرٌ في أعداد الإصابات خلال فصل الخريف، وهو ما يؤثر اليوم على العديد من الدول الأوروبية. وأعتقد أننا بحاجة إلى الاستعداد لمرحلةٍ طويلة من التعافي ستستمر على وجه الدقة حتى نهاية عام 2023 على أقل تقدير، وفقاً لآخر نتائج المحللين في وحدة اقتصاديات السياحة التابعة لمؤسسة أوكسفود إيكونوميكس. لكننا نشعر بالاطمئنان تجاه سرعة تعافي السياحة الوافدة من أوروبا إلى ألمانيا بوتيرة أكبر مقارنة بتلك الوافدة من خارج القارة، حيث يتعافى السفر بهدف الترفيه بمعدل أسرع من السفر بهدف العمل.

ما الذي يدفعكِ للتفاؤل في هذه الأوقات الصعبة؟

هناك عددٌ من الأسباب التي تدعو للتفاؤل، ومن أهمّها تطلّع ملايين الناس إلى السفر دون قلق مرة أخرى لاستكشاف دولٍ أخرى واختبار ثقافاتٍ جديدة، والذهاب في رحلات عمل ناجحة ومشاركة تجاربهم مع الآخرين.

وبيّنت الدراسات التي أجراها معهد أبحاث السوق آي بي كيه إنترناشيونال ازدياد الرغبة في السفر إلى الخارج بشكل كبير في العديد من الدول على مدار هذا العام.

وهناك العديد من الأسباب التي تجعل من ألمانيا وجهة سفر بارزة. فعلى سبيل المثال، جاءت ألمانيا في المرتبة الأولى بناء على تصنيف مؤشر إنهولت-إبسوس للعلامات التجارية للبلاد لعام 2020، ما يؤكد مكانتها وصورتها المتميزة. وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة الخاصة بالمؤشر قد شملت 20 دولة من 7 يوليو إلى 31 أغسطس، أي خلال فترة انتشار كوفيد-19.

وبالطبع تعتبر السلامة من أهمّ العوامل عند اختيار وجهة السفر، فقد أظهرت استطلاعات دولية أن ألمانيا من وجهات السفر الأكثر أماناً في جميع أنحاء العالم من حيث الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ. وتؤكد الدراسات الميدانية التي أجريت من يونيو إلى سبتمبر صحة هذه الاستطلاعات.

ما الذي يمكنكم فعله في المجلس الوطني الألماني للسياحة لتعزيز السياحة في ظل أزمة انتشار الفيروس؟ 

حددنا مجالات عمل مختلفة للتركيز عليها. ففي البداية، نحلل الأسواق وقطاعاتها بعناية لدراسة إمكانيات تعافيها، ونركز ضمن هذا المجال على أنشطتنا التسويقية.

ونركز من جهة ثانية على العملاء عبر توقع احتياجاتهم المستقبلية، فالمسافرون لم يصبحوا أكثر وعياً بالسلامة فحسب، بل أكثر اهتماماً أيضاً بمفهوم السياحة المستدامة. وهنا يأتي دورنا في التكيف مع توجهاتهم من خلال إعادة بلورة علامتنا التجارية.

بينما يتمحور المجال الثالث حول تعزيز التحول الرقمي لاكتساب القدرة على المنافسة من خلال استخدام وسائل التسويق المبتكرة في ظلّ تنافس الوجهات فيما بينها مجدداً، حيث سيلعب التحول الرقمي دوراً هاماً في ظروف الوضع الطبيعي الجديد. ونثق نحن وشركاؤنا بالحلول الرقمية، بما فيها روبوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة على الأسئلة، واستخدام المساعدين الصوتيين الرقميين، وحل البيانات المفتوحة الرئيسي لدعم قطاع السياحة الوافدة إلى ألمانيا.

هل ستتسبّب أزمة كوفيد-19 بظهور توجهات جديدة بين المسافرين قد تؤثر على ألمانيا كوجهة سفر؟

بعيداً عن فيروس كورونا المستجدّ، يتغير سلوك العملاء باستمرار، لكن تساهم هذه الأزمة بتسريع العديد من التغييرات؛ فقد أدّى كوفيد-19 إلى زيادة الاهتمام بالاستدامة على سبيل المثال. ويعتقد حوالي 80% من المسافرين الوافدين إلينا من دول المصدر الأهم بالنسبة لنا أن انتشار فيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يعزز من توجهات السياحة المستدامة. وفي أحدث دراسات آي بي كيه إنترناشيونال حول كوفيد-19، بيّن 55% من الأشخاص ميلهم عموماً إلى خيار قضاء العطلة في المواقع الطبيعية، بينما أكّد 21% منهم أنهم كانوا أكثر رغبةً بهذا النوع من العطلات خلال فترة الأزمة.

هل ألمانيا مستعدة لهذا التغيير في الطلب؟

طبعاً، فالاستدامة هي من أهمّ أولوياتنا. وقد أوضح مؤشر أهداف التنمية المستدامة الأخير، الذي يوثق التقدم الذي تحرزه كل دولة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أنّ ألمانيا تحتلّ المرتبة الخامسة من بين 166 دولة. في حين من المرجح أن تشير آراء المستطلعين في مؤشر إنهولت-إبسوس للعلامات التجارية للبلاد إلى اعتبار ألمانيا من أكثر الدول كفاءةً في التعامل مع تهديدات التغير المناخي خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتتميز بيئة ألمانيا بتوازنها المثالي، وتبذل الجهات المعنية الكثير من الجهود للحفاظ عليها على هذا النحو، حيث تحتضن ألمانيا 16 حديقةً وطنية، و16 محمية طبيعية مدرجة على قوائم اليونيسكو بسبب تنوعها الإحيائي، و104 متنزهات طبيعية، فيما يُصنف نحو ثلث مساحة الأراضي الألمانية على أنها محمية بشكلٍ خاصّ.

هل ينعكس هذا التوجه في عروض ألمانيا السياحية؟ وما أنواع العطلات المستدامة في ألمانيا التي تنصحين بها بشكل خاص؟

تعد المواقع المدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي من أبرز نقاط الجذب للسياح، مثل أعالي وادي الراين الأوسط وهضبة لوريلي وغابات الزان القديمة في ألمانيا وبحر وادن المحاذي لساحل بحر الشمال.

كما تلبي الشبكة الواسعة الممتدة لحوالي 200 ألف كم من المسارات المخصصة للتنزه ذات مستويات الصعوبة المتنوعة والمزودة بإشارات توضيحية تطلعات جميع السياح، ابتداءً من العائلات التي تصطحب أطفالها مروراً بعشاق الثقافة الذين يحبون التعرف على مواقع تاريخية وصولاً إلى المستكشفين النشيطين الراغبين بالصعود إلى قمم الجبال. بالإضافة إلى مسارات المشي وعروض الطعام والشراب المحلية التي من شأنها التشجيع على اعتماد نمط حياة صحي، وأبرز المعالم السياحية كالجسور المعلقة بين الأشجار ورحلات المنتزهات برفقة المرشدين.

كما بإمكان سائقي الدراجات الجبلية وراكبي دراجات السباقات وغيرهم من هواة ركوب الدراجات الهوائية التعرّف على ألمانيا من خلال شبكة طرقاتٍ مخصصة للدراجات ممتدة على مسافة تزيد عن 70 ألف كم. وسواء رغب السياح بركوب الدراجات بمفردهم أو بصحبة أفراد النادي أو العائلة أو الأصدقاء، تمتلك ألمانيا البنية التحتية والخدمات التي تلبي جميع هذه الاحتياجات.

يمكن القول أنّ الطلب على الإجازات في قلب الطبيعة آخذ في الارتفاع، لكن هل هناك مجالات أو فعاليات أخرى ستتأثر سلباً نتيجة فيروس كورونا المستجدّ؟ 

بشكل عام، كانت الفعاليات الأبرز في ألمانيا هي الأكثر تضرراً. فعلى سبيل المثال، تُعدّ ألمانيا الوجهة الثقافية الأولى وتحتضن أبرز المدن التي تعتبر خياراتٍ مفضلة لقضاء العطلات بالنسبة للسياح الأوروبيين، لكن لم يتمّ تنظيم العديد من الفعاليات الكبيرة أو اقتصر تنظيمها على نطاق محدود للغاية في عام 2020. ونأمل أن تكون هذه الفعاليات، مثل مهرجان أوكتوبرفست وأسواق موسم الأعياد، جاهزة لاستقبال الزوار على النحو المعتاد في 2021. كما بذلت البلدات والمدن والمؤسسات الثقافية والوجهات الترفيهية الكثير من الجهود لتأمين عطلات آمنة ومتميزة على الرغم من انتشار فيروس كورونا المستجدّ.

كيف يمكن وصف المدن السياحية الأبرز خلال الأزمة؟

تتميز المدن المفضلة لدى السياح بأنها محاطة بمناطق جذابة؛ فعند زيارة برلين على سبيل المثال يمكن التمتع بجمال غابة سبري وطبيعة براندنبورغ الخلابة، في حين تحتضن فرانكفورت منطقة تاونوس ورينجاو الجبلية، أمّا هامبورغ وبريمن فتمتازان بقربهما من ساحل بحر الشمال. ومن هذه المناطق المحيطة، تتوفر خيارات سهلة ومريحة وصديقة للبيئة لزيارة المدن ليوم واحد ومشاهدة معالم المدينة والتسوق. كما توفر البلدات والمدن أيضاً العديد من الأنشطة لقضاء أوقات ممتعة في المتنزهات والمساحات الخضراء وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات وتجربة المأكولات والمشروبات المحلية ضمن الحدائق المفتوحة.

وأظهرت دراسات حديثة أجرتها المفوضية الأوروبية أن الأشخاص الذين يستمتعون بحياة المدينة هم الأكثر رغبةً بالسفر مرة أخرى. وتتجاوز حياة المدينة في ألمانيا مفهوم المباني والمتاحف التاريخية، إذ تتمحور حول نمط الحياة وطريقة العيش.

تعدّ ألمانيا وجهة رئيسة للمعارض التجارية والمؤتمرات، ما هو تقييمك لوضع السفر بهدف العمل؟ 

سيواصل هذا المجال مواجهة التحديات في المستقبل القريب. ففي عام 2019، كانت رحلات السفر الوافدة إلى ألمانيا بهدف العمل أعلى من المعدل العالمي بنسبة 23%، إذ تمثل دولتنا الوجهة الأولى للمؤتمرات في أوروبا، بالإضافة إلى كونها وجهة بارزة لاستضافة المعارض التجارية الرائدة عالمياً.

إلا أننا نتوقع تغييرات كبيرة في هذه المجال على وجه الخصوص. ومن المرجح أن تزداد أهمية الحلول البديلة، مثل الفعاليات الافتراضية وشبه الافتراضية في المستقبل.

ما هي الدول التي تتوقعين عودتها إلى الوضع الطبيعي في أقرب وقت؟ 

لا أعتقد أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه. فحتى لو تمكنا من السفر مرة أخرى دون قيود، فإن تجربة السفر لدينا ستتسم بمزيد من الحذر.

وأظنّ أن الأسواق المجاورة بشكلٍ عام ستتعافى بسرعة أكبر من الأسواق خارج القارة. ولن تكثّف شركات الطيران في تلك الأسواق الخارجية نشاطاتها التشغيلية مجدداً إلا في حال وجود الطلب الكافي. كما سيتمّ التركيز على استغلال القدرات بشكلٍ أكبر في المستقبل لأسباب تجارية وبيئية.

ولاحظنا مجموعة عوامل يمكن أن يأخذها بعض المسافرين بعين الاعتبار عند رغبتهم بالسفر مجدداً، ومن أبرزها الانخفاض الكبير في معدلات العدوى ضمن بلد المقصد وتوفر اللقاح والأنظمة المتعلقة بالحجر الصحي عند السفر.

وفي ضوء انخفاض معدلات الإصابة وبدء برامج اللقاح، نأمل أن نرى انتعاشاً كبيراً في الطلب الدولي في وقت مبكر من عام 2021. وسنواصل عبر حملة “ألمانيا- وجهة سياحية ملهمة” مواجهة جميع تحديات الظروف الراهنة.

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط