هل بات التحول الرقمي في القطاع المالي ضرورة ملحة في زمن كورونا؟

3٬511

لا ريب في أن تفشّي عدوى فيروس كورونا المستجد ساهم في تغيير الكثير من الأساليب والمعايير المعمول بها في شتى القطاعات. ففي قطاع الخدمات المالية، يدفع هذا التغيير عجلة التحول الرقمي والتحسينات الضرورية في تجربة العملاء في الشرق الأوسط.

ووصلت شركات الخدمات المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى مرحلة حاسمة بالمقارنة مع الأسواق المتقدمة في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية. وتدرك الحكومات اليوم مدى أهمية إنشاء مراكز مالية يتخطى دورها تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية إلى تحسين المكانة العالمية للمنطقة، هذا فضلاً عن تكريس الجهود نحو التحول الرقمي.

الاستثمارات الإقليمية في مجال التقنيات المالية تشهد نمواً ملحوظاً

وبفضل مركزي تسريع التقنية المالية في دبي وأبوظبي تشهد الاستثمارات الإقليمية في مجال التقنيات المالية نمواً ملحوظاً بمعدل 64%، أي أكثر من ضعف المعدل العالمي 26%. ولا تدّخر حكومتا البحرين والمملكة العربية السعودية جهداً لاستقطاب شركات التقنية المالية وتعزيز سبل التعاون في مجال التحول الرقمي.

 التحول الرقمي في القطاع المالي ضرورة ملحة في زمن كورونا

الاستفادة من التوجه المتزايد نحو الحلول الرقمية

وضماناً لاستدامة وجودها على المدى البعيد، ينبغي على الشركات المتخصصة بالخدمات المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستفادة من التوجه المتزايد نحو التحول الرقمي والسلوكيات المتغيرة للعملاء لتعزيز سوية ابتكار عروضها. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يستخدم أكثر من 70% من السكان هواتف ذكية، ما يمثل فرصة كبيرة للشركات ذات التفكير التقدّمي لطرح المزيد من الخدمات الرقمية المميزة.

ولم يعد عملاء الخدمات الاستثمارية وإدارة الثروة راضين عن الاستثمار على الصعيد المحلي، ويزداد بحثهم عن الخدمات العالمية وسبل الوصول إلى الأسواق الدولية من خلال مزوّد واحد.

ولتوفير خدمات بمستوى عالمي ينبغي أن توسّع الشركات عروضها وتستثمر في التقنيات التي تعزز سلاسة التجربة التي يخوضها العملاء وتوفر عرضاً عالمياً حقيقياً. لكن، ما هي السبل التي تتبعها البنوك والمؤسسات المالية لتزويد عملائها بمنتجات وخدمات تعكس التوجه نحو التحول الرقمي دون التأثير على النفقات الرأسمالية ونفقات التشغيل؟

التحول الرقمي في القطاع المالي ضرورة ملحة في زمن كورونا

 الوسيلة الوحيدة الفعّالة

يعتبر التعاون الوسيلة الوحيدة الفعّالة التي يمكن أن تعتمد عليها الشركات للنهوض بأعمالها ما لم تكن شركات متعددة الجنسيات بموارد ضخمة. ويجب على المؤسسات المالية استكشاف سبل الشراكات الخارجية للابتكار وتطبيق تغييرات تقنية وإجراء تحسينات على تجربة العملاء مع زيادة الاستهلاك الرقمي والتحول الرقمي في مرحلة ما بعد كوفيد-19.

حققت الجهات العاملة في مجال التقنية المالية خلال هذين العقدين تطوراً لافتاً انتقلت فيه من جهات أسهمت بإحداث تغييرات جذرية في القطاع لتصبح مصادر تعاون متميزة للشركات الحريصة على تسريع الخطى نحو التحول الرقمي.

بنك المستقبل

من غير المجدي أن تتجه البنوك بشكل مستقل نحو بناء حلول تقنية كبيرة عبر سلاسل قيمتها، بينما يمكن للشراكات توفير إمكانية الوصول الفوري إلى التقنيات والأسواق لخدمة عملائها.

وتسهم مرونة النموذج المفتوح في تسهيل إضافة خدمات جديدة دون مزيد من التكاليف والتعقيدات. مما يعني قدرة البنوك وشركات الخدمات المالية على التركيز على كفاءاتها الرئيسة، سواء الخدمات المصرفية الاستثمارية، أم إدارة الصناديق أو التداول. بينما يقدم شريك التقنية المالية الدعم لتحقيق التحوّل الرقمي لكامل الرحلة التي يخوضها العميل.

وبمشاركة مسؤولين تنفيذيين من الشرق الأوسط، بيّنت دراسة أجرتها برايس ووتر كوبرز في عام 2018 أن 56% منهم كانوا يستكشفون سبل إجراء تحالفات استراتيجية أو مشاريع مشتركة للنهوض بنمو الشركات ومعدلات أرباحها. ونتوقع ارتفاعاً أكبر لهذه النسبة بعد تفشّي فيروس كورونا المستجدّ.

العلاقة التكافلية للتعاون

من المهم التمييز بين التعاون من جهة، والتدابير التي يتخذها المورّد أو البائع من جهة أخرى. فالتعاون الحقيقي يقدم منتجات أو خدمات جديدة مبتكرة أو رحلة عملاء محسنة، ويرتبط بنجاح تختبره جميع الأطراف. ويبدو التعاون كعلاقة تكافليّة يمتلك فيها كل طرف حصته من المشروع مع استثمار مكافئ في نتيجة ناجحة. فالالتزام الحقيقي بنجاح الشراكة يأتي نتيجة العمل الفعليّ لتحقيق هذا النجاح.

التحول الرقمي في القطاع المالي ضرورة ملحة

نماذج التعاون

يمكن بناء الشراكات اعتماداً على نموذج هجين تتم فيه الاستعانة بشركة متخصصة بالتقنيات الرقمية لتنفيذ مشروع التحول الرقمي. وبموجب هذا النموذج قد تطلب الشركة المتخصصة بالتقنيات المالية بعض التعويض مقدماً لدعم أعمال الطرح مع مزيد من العائدات على أساس النمو والأهداف المحققة التي أصبحت ممكنة بفضل التنفيذ التقني الناجح.

وسواء مع شراكة الاستثمار المتكافئ أو النموذج الهجين تتطلب الاتفاقية حرصاً واجباً من الطرفين وعلى نطاق واسع، وهو ما يمكن مقارنته بالاستحواذ. وفيما ينبغي أن يرتكز قرار اختيار الشريك على مدى قدرته على توفير الحلول المناسبة، يجب ألا نغفل مدى أهمية القيم المشتركة.

التعاون هو السبيل للبقاء

يمثل تقييم الاستراتيجية الخطوة الأولى للشركات الراغبة في رقمنة أعمالها من خلال شراكة، والتعرف على جوانب العمل التي تحتاج إلى رقمنة وابتكار. وتأتي الخطوة التالية لتكون الإقرار بعدم حاجة الشركة لامتلاك جميع قطاعات العمل. أما الخطوة الثالثة فهي الشراكة مع شركة متخصصة في التقنيات المالية لتوفير الابتكارات الرقمية المطلوبة.

وقد تبرز الحاجة لإجراء تحوّل في نموذج الإدارة ضمن المؤسسات القائمة والمثقلة بالبيروقراطية. لكن، وبعد فيروس كورونا المستجدّ، ستكون السوق بالتأكيد مختلفة كلياً، حيث أصبحت الشراكات ضرورة حتمية لاستمرار ونمو المؤسسات المالية. وكلما تأخرت عن التحول الرقمي، ستجد هذه المؤسسات نفسها في صراع ليس للبقاء فحسب، وإنما للحيلولة دون الفشل والتلاشي.

إقرأ المزيد:
المصدر ساكسو بنك

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط