المتنبي…شاعر نُسجت حوله الأساطير

3٬713

لطالما كان الشاعر لسان حال قومه ومرآة ما يختلج في أعماقهم من مشاعر وأحاسيس شتى. ولو استعرضنا التاريخ العربي في مختلف مراحله وحقباته لوجدنا شعراء سباقين في نظم القصائد التي ما تركت جانباً من جوانب الحياة إلا وطرقتها. فهناك الشعر الاجتماعي والغزلي وذلك الإنساني والسياسي. كما يوجد شعر مديح وهجاء ورثاء ووقوف على الأطلال وتغزل بالمحبوبة والتحدث عن الهيام والعشق. ولقد آثرت اليوم الخوض في غمار حياة وشعر شاعر عربي يُشار إليه بالبنان، ألا وهو المتنبي.

من هو أبو الطيب المتنبي؟

هو أبو الحبيب أحمد بن حسين بن الحسن ابن مرة بن عبد الجبار وشهرته المتنبي، وهو من مواليد مدينة الكوفة بالعراق عام 915م. هو شاعر العصر العباسي (750-1258 م). كما يعتبره كثيرون أحد أعظم شعراء اللغة العربية على الإطلاق.

لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم؟

كثيرة هي الروايات التي تضاربت حول سبب تسمية المتنبي بهذا الاسم، إلا أنهم اتفقوا على أنه سجن في فترة عرفت صراعات وفتن ودعوات سياسية مختلفة، وفرق دينية متباينة، فأدلى المتنبي بدلوه في هذا المضمار، وهو الإنسان الطموح.

ومن هذه الروايات أنه خرج إلى الشام مدعياً النبوة، منصباً نفسه داعية من دعاة مذهب الإسماعيلية، فحُبس حتى استتاب ثم أطلق سراحه.

في حين يرى آخرون أن أصل لقب المتنبي يعود لبعض أبيات شعره، ولتعاليه الدائم وتعاظمه، وهو ما يذهب إليه ابن جني حيث يرى أن سبب هذا اللقب يعود إلى قول المتنبي:

أنا في أمة تداركها الله  *  غريب كصالح في ثمود

كيف بدت أشعاره؟

تتميز أشعاره بالنمط المنمق والمعاني العميقة المؤثرة. والجدير بالذكر أن أبو الطيب المتنبي، هو أحد أكثر شعراء العرب شهرةً، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، وهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهميةً تجاوزت زمانهم ومكانهم. فلم يكن المتنبّي مجردَ شاعرٍ يمتلك من الفصاحة والبلاغة ما لا يمتلكه غيره من الشعراء، بل كانَ يتمتع بشخصيةٍ مميزة. ولم يكن ليوفر فرصة لإظهار مشاعر الأنفة والاعتزاز بالنفس عبر مختلف قصائده. والمتنبي هو من أفضل من استخدموا اللغة العربية وأعرفهم بها، ولا يزال حتى يومنا هذا مصدر إلهام للكثير من الأدباء والشعراء. وقد عُرف كذلك بحدة ذكائه. إلا أن أيامه الذهبية كانت في بلاد سيف الدولة الحمداني  في حلب، حيث نظم أجمل قصائد المديح .ولو تحدثنا عن  والد المتنبي  لوجدناه كان يعمل كحامل خزانات، ويفتخر بأصوله العربية النبيلة والقديمة التي تعود إلى قبيلة كندة. وكانت بداياته بشعر المديح. إذ امتدح الملوك، وهذا لا يعني أنه اكتفى بذلك فحسب، وإنما ناقش أموراً أخرى كالشجاعة وفلسفة الحياة ووصف المعارك وما زالت قصائده حية ليومنا هذا.

حياته رحلات مستمرة

عاش المتنبي فترات مليئة بالمغامرات والغيرة التي بلغت ذروتها حتى أنها أجبرته على ترك سورية قاصداً مصر. إذ كانت تُحكم آنذاك من قبل الأخشيديين، وقد تعرف المتنبي على شخص أثيوبي يدعى أبو المسك كافور. وكان قد ولد عبداً وقد صوره المتنبي بشكل ساخر. وعلى إثرها هرب المتنبي من مصر، وقام بتنقلات ورحلات متعددة وانتهى به المطاف في مدينة بغداد. غير أن حملات القرامطة عليها جعلتها بحالة خطرة. لذا، اضطر للاستقرار في مدينة شيراز بإيران تحت حماية أمير الدولة من أسرة بئيد.

المتنبي

كانت أعماله موضع تقدير وإعجاب من الشرق والغرب،  بيد أنه لم يحصل على الاهتمام الكافي للجانب الإنساني له، باستثناء مقال واحد نشره “جيه مونتجومري” عام 1995 بعنوان ‘المتنبي وعلم النفس من الحزن”. وقد ركزت العديد من الدراسات الحديثة في الشعر العربي على قصائد المتنبي، من حيث هيكل القصائد والأدوات التي يستخدمها الشاعر لتكوين شعره متعدد الأوجه، مع تجاهل طريقة تفكير المتنبي وما دفعه لكتابة ذلك. وبعد ما توقفنا في محطات من حياة المتنبي سوف نستعرض في ما يلي بعضاً من أشهر أبياته الشعرية:

مصائب قوم عند قوم فوائد
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وإذا لم يكن من الموت بد ….. فمن العجز أن تموت جبانا
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه…… ولكن من يبصر جفونك يعشق
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته …وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
حياة المتنبي الشخصية

قِيل أنّ المتنبي تزوج بامرأة شامية ورُزق منها بولدٍ اسمه محسد توفي معه. كما هنالك قصة حبّ مزعومة ألّبت عليه بلاط سيف الدولة، وهي أنّه كان يحب أخته خولة التي رثاها واصفًا مبسمها بالجميل.   وأما وفاته  فقد قُتِل المتنبي بسبب إحدى قصائده التي احتوت على إهانةٍ كبيرةٍ لرجلٍ يدعى ضبة الأسدي والذي تعاون مع عمه الذي يُدعى فاتك الأسدي. تمكنوا من اعتراض طريق المتنبي، وابنه محسد وخادمه بالقرب من بغداد.

أفاد رجلٌ يُدعى ابن راشيك أنه عندما أراد المتنبي الفرار، ذكَّره خادمه ببعض الأسطر من إحدى قصائده التي تتحدث عن الشجاعة، فقرر المتنبي الرجوع والقتال، ولكنه تُوفي مع رفقائه في عام 965م.

 وأخيراً وليس آخراً، لا يسعني القول إلا أن المتنبي من أفضل شعراء العصر العباسي وأشعاره تختزل جلّ القيم الجمالية الآسرة. ولقد عُرف عنه مدحه للملوك والأمراء من خلال شعره سعياً منه للحصول على العطايا والهدايا والأموال. يقدر عدد قصائد المتنبي بنحو 326 قصيدةً، جلّها يتمحور حول المدح والرثاء والهجاء. ولقد كان الشاعر الوحيد الذي لا يلقي شعره واقفًا بين يدي سيف الدولة، مما أثار غيرة بقية شعراء البلاط نحوه؛ فكادوا له المكائد.  ولكن كل ذلك لا ينفي جمال شعر المتنبي وقصائده التي ما زالت يُستشهد بها حتى اليوم وتدرس للأجيال في مختلف المناهج، وذلك لما فيها من جمالية وأفكار وفلسفة وحكم لا تكاد تندثر باندثار زمنها.

إذا كنت تبحث عن المزيد من المعرفة والتسلية فلا بد لك من قراءة المواضيع التالية:
“لا يجوز إعادة نشر أي مادة تحريرية، سواء أكان ذلك بشكل جزئي أم كلي أو نشر أي موضوع بناء على فكرة موقع عصري.نت الحصرية إلا بموجب إذن رسمي من إدارة الموقع وذكر المصدر أصولاً”

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط