كورونا ..دروسٌ وعبر

2٬285

لا ريب في أن أشهر العبارات وأكثرها تردداً على مسامعنا على الإطلاق يتمثل في مقولة “أنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس”، فقد باتت هذه الأخيرة مثلاً وعبارةً يرددها كثيرون وفي مختلف الأوقات والأحوال والظروف. إذ لا ينفك المرء يسمعها في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإدارة، تارة، ومن على المنابر، تارة أخرى. كيف لا وهي عبارة تحمل بين ثناياها معنىً عميقاً ذي مغزى تربوي ونفسي لا يلبث أن يحثّ الإنسان على أن يكون إيجابياً وتستثيره لتلَمُس النقاط المضيئة في حياته والاستمتاع بها مهما كانت الظروف. ونحن إذ لا ندخر جهداً من أجل الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي بات حديث الساعة، نرى على الجانب الآخر بأن أموراً عدة مهمة في حياتنا بوجه عام قد برزت إلى السطح بعد أن كانت طي النسيان. فما هي هذه الأمور وكيف ساهم هذا الفيروس في إلقاء الضوء عليها؟

لا أعتقد أن موضوعاً شغل الرأي العام العالمي بجميع فئاته ووحَده كما فعل فيروس كورونا الجديد “كوفيد-19“. هذا الفيروس الذي هدد سكان الكرة الأرضية ككل وأخافهم وأرعبهم. فالجميع يتحدث عن أخطار الفيروس و يتتبع أخبار الدراسات التي تحاول فك شيفرته الوراثية ومصدر تشكله وكيفية  انتقاله إلينا وهل هنالك لقاح فاعل له أو دواء؟

بيتك هو حصنك 

ولأن الفيروس ظهر أولاً في الصين وتحديداً في مدينة ووهان فقد كانت أنظار العالم كلها متجهة نحوها وإلى تجربتها في التعامل معه ومحاولة احتوائه، وهو ما جعل دول العالم لاحقاً تتخذ نموذجاً شبيهاً بعض الشيء بنموذج الحجر الكامل الذي اتبعته الصين على مواطنيها عندما عزلتهم في منازلهم واتخذت أقصى إجراءات التعقيم  والتطهير واستخدمت أحدث معدات التكنولوجيا على مستوى العالم لاحتوائه.

فيروس كورونا المستجد

ولعل طبيعة هذا الفيروس سريع الاتشار أثارت الهلع لدى دول العالم كافة، وشلت الاقتصاد العالمي وأوقفت   المصانع والمطارات والمرافق العامة وعطلت السياحة وأصبح الشعار العالمي الذي اتفقت عليه كل دول العالم واتخذته كاستراتيجية دفاعية هو البقاء في المنزل. نعم، لقد أصبح منزلك هو مساحة العالم الوحيدة التي تأمن  فيها شر هذا الغازي وعالمك الاحتوائي الأخير ضد التقاط العدوى وتفشي الوباء. فابتعادك عن الآخرين مهما  كانت درجتهم الاجتماعية أو قرابتهم بات مطلباً ملحاً، ليس تملصاً من الإنسانية التي تربطنا بهم أو ما يسمى بـ”فوبيا”  الغرباء، لكنها أبسط أساليب الدفاع ضد هذا الخطر الوبائي غير المرئي.

سمعنا وقرأنا كثيراً عن مخاطر وسلبيات الفيروس على العالم، لكننا هنا سنطرح تساؤلاً من نوع آخر:  هل هنالك من إيجابيات لهذا الفيروس، وماهي تلك الإيجابيات إن وجدت؟

فوائد فيروس كورونا 

بعد عدة أشهر من تفشي هذا الوباء الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بالجائحة. وبعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الدول لوقف انتشاره، خرجت إلينا تقارير من هنا وهناك جعلتنا نرجع لمقولة النصف الممتلئ من الكأس، فما هي تلك التقارير وعن أي شيء تتحدث؟

على المستوى البيئي

وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عرضت صوراً تظهر فيها أن الكرة الأرضية تتعافى بشكل ملحوظ بسبب التراجع الحاد في مستويات تلوث الهواء بعد أن توقفت المصانع الكبيرة في الصين ومعظم دول العالم نتيجة لانتشار وباء كورونا والذي نتج عنه انخفاض كبير في انبعاث الغازات الناجمة عنها. كما توقفت وسائل المواصلات المختلفة في كبريات الدول وانخفض أيضاً انبعاث الغازات الناجمة عن عوادم السيارات ووسائل المواصلات.

فيروس كورونا المستجد - كوفيد-19

وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية فإن هذا الانخفاض الملموس في معدل التلوث ساهم في تعافي ثقب الأوزون بشكل ملحوظ في منطقة القارة القطبية الجنوبية، مما ساعد في التئام الغلاف الجوي الذي شهد توسعه في العام الماضي أعلى مستوى توسع سنوي منذ عام 1982، وهو ما يعني ذوباناً أقل لكتل الجليد التي كانت تشكل هاجساً بيئياً شديد الخطورة على العالم.

أما في شهر فبراير الماضي، مثلاً، فقد خرجت تقارير تتحدث عن ازدياد نسبة الهواء النظيف بنسبة 21.5 بالمئة. وفي نفس السياق شاهدنا صوراً من مدينة ليما، عاصمة البيرو، تبين وصول عشرات الآلاف من طيور البجع والنوارس إلى شواطئها السياحية بشكل لم نشاهده من قبل. كما خرجت صور من هنا وهناك تبين أن الحيوانات بدأت تغزو المدن وتتنقل بحرية أكبر بعد تطبيق الحظر في معظم دول العالم.

وبالتالي، فإن الطبيعة الأم حصلت أخيراً على استراحتها المنشودة التي لم تكن لتجدها وتسترد عافيتها فيها لو لم نعش أزمة كورونا.

على الصعيد السياسي

بعد انتشار الوباء لاحظنا توقفاً في غالبية النزاعات على مستوى العالم وشهدنا تقارباً وتعاوناً بين الدول حتى المتحاربة فيما بينها أو تلك التي تفصل بينها خلافات سياسية كبيرة، فقد توحد العالم أمام العدو الأوحد حالياً.

وفُرضت على الدول هدنة إجبارية ربما كانت لمصلحة شريحة كبيرة من البشر المتضررين من هذه الحروب والصراعات.

فيروس كورونا المستجد - كوفيد-19 في المنطقة العربية

من الناحية الاجتماعية

لا ريب في أن ما لمسه الناس من خطر على أحبائهم واستشعارهم رعب فقدهم، بالإضافة إلى ما تم اتخاذه من إجراءات عزل وحظر كان له بالغ الأثر في عودة الناس إلى حياتهم الأسرية السوية والسعي وراء دفء العائلة والتفافها. حتى أن المرء  منا بات يقف وقفة تأمل في ما مضى من حياته علّه يُعيد التفكير مليّاً وجدياً في ما تبقى منها.

دينيا وأخلاقياً

 عندما شاهد الناس الموت واشتموا رائحته، لا سيما في ظل العجز العالمي العلمي عن إيجاد مصل أو دواء للوباء، توحدت البشرية رغم اختلاف عقائدها ونكران بعضهم لوجود الإله. حتى غدا تضرعهم جميعاً إلى الله طلباً للرحمة ورفع هذا البلاء مطلباً مشتركاً وحاجة ماسة.

ومن الناحية الأخلاقية وبشكل غير مباشر، فقد أسهمت هذه الأزمة والإجراءات المرافقة لها في تخفيف الانحلال الأخلاقي ومظاهره التي كانت تتصدر المشاهد اليومية في حياة الشعوب بنسب متفاوتة.

على الجانب العلمي والمهني

من أكثر الأمور الإيجابية التي أفرزتها هذه الأزمة عودة الأمور إلى نصابها في تمييز العلماء وأصحاب المهن المحترمة بعد أن كنا نعيش فوضى حقيقية وانقلاباً كبيراً في موازين التقييم. إذ كنا في الماضي القريب نثمن عاياً  المشاهير من لاعبي كرة القدم أو المطربين أو الممثلين أو مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، عوضاً عن تقديرنا  للمفكرين والعلماء والباحثين والأطباء.

علاج فيروس كورونا المستجد كوفيد-19

ماذا عن الأفراد؟

 ساهمت هذه الأزمة في إظهار معادن الناس ومواهبهم ومقدار الثقافة الحقيقية التي يحملها كل واحد منهم. وما إن اقترب شبح الموت منا وممن نحب واشتدت المحن، حتى ظهرت معادننا الأصيلة وبتنا نرى زخارف الدنيا على حقيقتها البالية الباهتة، وأدركنا، في الوقت عينه، قيمة أسرنا وأهلنا ومدى أهمية الهبات والعطايا التي وهبنا الله إياها.

كلمة الختام..

نتمنى أن يكون تعرض العالم لهذه الأزمة الكبيرة بمثابة تهيئة لمخاضٍ عظيمٍ وولادة نظامٍ عالمي جديد  يكون أكثر انضباطاً وعدالة وأكثر إنسانية.

إذا كنت تبحث عن المزيد من المعرفة والتسلية فلا بد لك من قراءة المواضيع التالية:
“لا يجوز إعادة نشر أي مادة تحريرية، سواء أكان ذلك بشكل جزئي أم كلي أو نشر أي موضوع بناء على فكرة موقع عصري.نت الحصرية إلا بموجب إذن رسمي من إدارة الموقع وذكر المصدر أصولاً”

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط