الترجمة..إبداع نص مماثل دون العبث بمكنونات الأصل

718

لعل جلّ الأخطاء التي يقترفها مترجمون عدة تعود إلى «عدم التخصص» الناتج عن أمور جمة ومتعددة، لربما أبرزها يكمن في إيكال مهمة الترجمة إلى أشخاص غير متخصصين. إذ إن الترجمة تضر بالمتلقي حينما لا تحاكي الأصل في جميع مكنوناته، بما أن ذلك يأتي على حساب المحتوى. ومن هنا يقتضي الأمر إيكال المهمة لمترجمين محترفين يحظون بكفاءة ومهارة في الوقت عينه، هذا فضلاً عن التعاون بين مختلف الجهات ذات الصلة عند النقل إلى اللغة العربية ومنها، وذلك منعاً لارتكاب أخطاء وأخطار بحق قطاعات ثقافية واقتصادية وسياسية عدة.

ولعل الترجمة النوعية الجيدة التي تأخذ النص من محدودية المعنى لفصحى جديدة في اللغة تحثّ الخطى نحو منحى آخر يجعل القارئ يُقبل على القراءة وينهل منها بطريقة سلسة وممتعة في الوقت عينه، وهي بهذا الاتجاه مفيدة، مع العلم بأن المترجم، قد لا يكون حينها متقيداً بالنص على الوجه الأمثل، إلا أنه يفتح أفاقاً جديدة في المعنى.

الترجمة..إبداع نص مماثل

اختيار المترجمين من أصحاب التجارب الإبداعية

يمكننا أن نقبل كمتلقين عدم التطابق مع النص الأصلي شريطة أن يتمكن المترجم من إضفاء بعد جمالي مسبوك بتراكيب لفظية متناغمة مع المفهوم العام للنص، فلا يشعرنا بأنه أقحم نفسه فيه. ومن هنا، يتعين على أصحاب القرار اختيار المترجمين من أصحاب التجارب الإبداعية وممن عرفوا بالمصداقية والأمانة بالنقل، وأن يحرصوا على التعاون مع بعض المدققين للتأكد من سلامة النصوص، ولا سيما في عصرنا الراهن، حيث بات القاصي والداني ينهل من بحر الترجمة غير مكترث لأهواله وتياراته التي تأتي على كل شيء ما لم يوكل أمرها إلى أناس أكفاء.

لا للترجمة الحرفية

ينبغي على المترجم أن يكتب نصاً يحاكي في كل تفاصيله الدقيقة النص الأصلي، لا أن يترجمه حرفياً، وذلك بغية إتاحة الفرصة أمام القارئ لكي يتمتع بالنص المترجم. كما يتعين عليه، في الوقت عينه، أن يكبح جماح نفسه، فلا يضيف أشياء لم يأت على ذكرها الكاتب الذي يعود إليه النص الأصلي. وإذا ما حدث أن حذف شيئاً من النص الأصلي فيتعين عليه حينئذ أن يأتي على ذكر ذلك في الحاشية، وأن يخوض في الأسباب التي دفعته لفعل ذلك، علّه يتمكن من إقناع المتلقي بفكرته ومرامه الكامن خلف ذاك التغيير.

الترجمة..إبداع نص

علم قائم بحد ذاته

وفي نهاية المطاف، لا بد لنا أن نؤكد على حقيقة مفادها أن الترجمة علم قائم بحد ذاته، وهي بذلك تعد مسؤولية تفوق من حيث الأهمية  مسؤولية التأليف نفسه، ذلك لأنها تقتضي إعادة صياغة النص مع توخي الأمانة في نقل المحتوى.  وربما لهذا السبب قال الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت في ما يتعلق بقضية ترجمة قصائده إلى لغة أخرى: “لقد باتت الآن قصائد المترجم”.

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط للارتقاء بأداء الموقع وتجربتكم في الوقت عينه فهل توافقون على ذلك؟ قبول الاطلاع على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط