في محطة للحافلات تقع على أطراف العاصمة كان هناك رجل في عقده الثامن يجلس إلى جوار امرأة تظهر عليها علامات الحمل، وكانت عينا المرأة تشخص نحو الأفق البعيد في ترقب شديد لوصول الحافلة ..
في تلك الأثناء راح الرجل العجوز يرمق بطن المرأة بنظرات تنم عن فضول شديد، ثم ما لبث أن وجه إليها السؤال التالي:
– في أي شهر أنتِ؟
بدت المرأة في تلك الأثناء شاردة الذهن، كما أن القلق على ما يبدو بدأ يخط طريقه نحو قسمات وجهها الحزين..
– في بداية الأمر لم تعر سؤال العجوز أي اهتمام، إلا أنه وبعد مرور لحظات قليلة، أجابت قائلة: “أنا في الأسبوع الثالث والعشرين”.
– رد العجوز: أهي أول ولادة لكِ؟
– أجابت المرأة: نعم.
– قال العجوز: ما من داعٍ لكل ذلك الخوف يا ابنتي. لا تدعي القلق يتسلل إلى فؤادك، فكل شيء سيؤول إلى نهاية سعيدة بإذن الله.
– وضعت المرأة يدها على بطنها وهي تحاول كبح دموعها، ثم قالت: آمل ذلك حقاً.
– قال العجوز: يحدث أن ينتاب المرء شعور عارم بالقلق أحياناً على أشياء قد لا تستدعي منه كل ذلك القدر من التفكير.
– أجابت المرأة بنبرة حزينة: ربما.
– في تلك اللحظات، بدا العجوز أكثر فضولاً من ذي قبل، ولم تكد تمر لحظات قليلة على ذلك الأمر، حتى عاجلها بسؤال آخر: يبدو أنكِ تمرين بفترة عصيبة؟ لماذا زوجك ليس بجانبكِ؟
– لقد هجرني منذ نحو أربعة أشهر.
– وماذا عن عائلتكِ وأصدقائكِ؟ أليس لديكِ أحد؟
– تنهدت المرأة وبدا حجم المعاناة على محياها، ثم أردفت قائلة: أعيش مع والدي المريض فقط.
– أتجدينه سنداً قوياً الآن كما كان في صغركِ؟
– في تلك اللحظات لم تستطع المرأة كبح دموعها، ثم ما لبثت أن أجابت: أجل حتى وهو في حالته تلك.
– ما الذي ألم به؟ أي خطب هذا الذي بات يعتريه؟
– ما من أمر جسيم في الحقيقة…فقط لا يستطيع أن يتذكر من أكون.
قالت جملتها الأخيرة تلك بعد لحظات فقط من وصول الحافلة التي ستقلهما إلى وجهتهما.
– وبينما هي تهم بالوقوف صرخت: لقد وصلت حافلتنا أخيراً…
مشت بضع خطوات فيما بقي الرجل العجوز جالساً على الكرسي..
التفتت للخلف، ومن ثم عادت إليه وأمسكت يده، وهي تردد:
هيا بنا يا أبتِ….هيا بنا يا أبي…